أخبار الجزيرة المصورة

25 مارس 2011

فى ذكرى أنبل فرسان الصحافة الرياضية وحشنى يا أستاذ بكــار




بقلم
إبــراهيــم حشــاد
بكار والقصاص وكاتب هذه السطور فى لقاء مع الكابتن طارق العشرى لاعب الاتحاد وقتذاك
فى وقت كان فيه الصمت من ذهب ، والكلام من شوك ، فضل أن يمشى على الشوك حافيا على أن يضع الذهب فى فمه وجيبه .. لقد كان أفضل من وضع للصحافة الرياضية بالإسكندرية ميزانا عادلا.. ليسطر اسمه بحروف من نور فى سجل النقاد المخلصين لعملهم الصحفى ولانتمائهم بحب وتفانى بالغ الرقى .
علم الكثيرين من فرسان الصحافة الرياضية مبادئ وفنون المهنة وشرفها السامى ، فكان مضربا للأمثال فى نبله وأخلاقه التي كانت لا تنتمي لعصرنا الحالي ( عصر الماديات ) ، عصر (مصلحتي أولا ) ، عصر ( أبجنى تجدني ) ، وما أكثر أن تجد لمنتفعى هذه المدرسة من أسماء براقة وساطعة .
محمد بكار الصحفى السكندرى الأشهر الذي تحل علينا ذكراه الثانوية الأولى بعد ان وافته المنية صباح يوم  الخميس الموافق 11 فبراير 2010 بعد صراع مع المرض .. الذى لم يستطع أن يقوى على علته بل قل كل العلل التي كانت تؤلمه ويكبح جماحها فى صمت وهدوء ليخفيها عن الناس ( كل الناس ) بمن فيهم السيدة حرمه وولديه احمد ومصطفى حتى لا يؤرقهم !!
كانت إرادة الله عز وجل هي النافذة لتصعد روحه الطاهرة إلى السماء ويخسر الجميع فارسا نبيلا وصحفيا شجاعا احترمه خصومه قبل محبيه لعفة لسانه و نزاهة قلمه الذي كثيرا ما أمتع الوسط الرياضى وصنع نجوما مازالت تتلألأ فى الأوساط الرياضية خاصة السكندرية سواء لاعبين ومدربين وإداريين ومجالس إدارات .
رحيل محمد بكار رفيقي في العمل الصحفي لسنوات طويلة أحدث شرخا كبيرا فى علاقاتى مع الكثيرين من أتباعه ومريديه وتلاميذه الجاحدين ، فلم يشفع للفقيد الراحل أن يترك برحيله سجلا ناصعا من النزاهة والشرف والسيرة الطيبة والحسنة هما كل ميراث ولديه احمد ومصطفى والزوجة المحترمة التي أكرمه الله بها.
 رحل الأستاذ النقي ، والفارس النبيل الذي كان يشعرك ( بجدعنة ولاد البلد ) بمواقفه الإنسانية التى سحقتها طقوس هذا العصر.
 رحل إلى الدار الآخرة بعد أن وضعت الأقدار نهاية لآلامه تاركا برحيله جرحا غائر فى قلوب أصدقائه وزملائه ومحبيه المخلصين الذين تألموا كثيرا برحيله، وكان وداعه بالغ القسوة على الجميع، خاصة الذين حرصوا على المشاركة فى مراسم تشييع الجثمان ليرقد بمدافن المنارة .. ولم يقو الكثيرين منهم على تلقى صدمة الرحيل .
بكار أقصى اليسار بجوار مجدى عطية وفتحى سيد أحمد وكاتب السطور
فبعد فاصل من التأجيل والتسويف من جانب الفقيد للخضوع للكشف الطبي والعلاج بعد ان صدمنى حالة الوهن التى بدى عليها فى أيامه الأخيرة استسلم مؤخرا لهذا الأمر بإلحاح شديد من زميله الصحفى محمد الجزار، لم يصدق الأطباء فى المستشفى أن رجلا مثل الأستاذ بكار يمكن أن يظل على قيد الحياة وهو محاطا بكل هذه العلل والمواجع !!
ويبدو أن استسلامه المفاجئ كان خشوعا وخضوعا لإرادة الله إيذانا بالرحيل .. فلم يمكث كثيرا حتى صعدت روحه للسماء .
 كثيرة هى الأزمات التى حاصرت الفقيد وآخرها إغلاق جريدة ( الكورة اليوم ) التى كان يتنفس عبر أعدادها اليومية ليقدم إبداعاته الصحفية مقابل راتب شهرى ضئيل لا يوازى حجم عطائه السخى .. حتى عندما عرض عليه الزميل احمد حسن الصحفى بجريدة ( الشروق ) فكرة انضمامه لأسرة تحرير الشروق والاستفادة من خبرته الصحفية لم يعر الأمر اهتماما .. فقد كان يرفض الشفقة أو الإحسان بشموخ وكبرياء يميزه عن غيره من الصحفيين .
لم يدعى الأستاذ بكار ذلك  لتجميل صورته ولكنه كان واقعا يعيشه ويؤمن به.
محمد خليل بكار .. أحد ابرز النبلاء فى هذا الزمن الرديئ ، ظل سنوات طويلة جندى مجهول فى جريدة (ميدان الرياضة ) عندما بدأ مشوار عطائه حتى شهدت نبوغه وسطوع نجمه بعد سنين من العمل الدؤوب والجهد المضني ليحصد بكتاباته وأخباره الصادقة الحب كله من الجميع سواء من كانوا معه فى المطبخ الصحفي أو مصادرة الصحفية المتعددة والثرية.
محمد بكار .. كان أشبه بترسانة من الأخبار المتنقلة ، وكان فى استطاعته كتابة جريدة بكاملها من أخبار وحوارات وموضوعات وكواليس ومباريات ومتابعات وغير ذلك من فنون الإبداع الصحفي الذي لا تشعر معه بالسفه أو الملل.
كثيرون هم الذين تعلموا فى مدرسة محمد بكار، وكثيرون هم الذين نقلوا أخباره المنشورة وقدموها لصحفهم ليصنعوا لأنفسهم مجدا زائفا مازالوا يتباهون به !!
 كان يشاهد السرقة العلنية والسطو المسلح لموضوعاته الصحفية بعينه وهى منشورة عبر كبريات الصحف الرياضية بأسماء صحفيين آخرين ، ويكتفي بالابتسام إما إشفاقا أو رضاءا .. لم يثور يوما ما .. فقد كان الهدوء والسكينة من صفاته .
 كان البعض يعتبره متعاليا وهو الذى كان يمنح الآخرين التواضع .. اعتبروه مغرورا وهو الذى كان يثق فى قدرات نفسه.. لم يلهث خلف النجوم مثلما يسعى البعض بل كان يصادقهم ويرتبط معهم بعلاقات صداقة ومودة وحب .. المثير أن غالبية نجوم الكرة الذين مروا على أندية الإسكندرية كانوا يحترمونه ويقدرون اسمه وتاريخه الصحفى قبل الوصول إلى عاصمة الثغر ، ويزداد احترامهم له كلما اقتربوا منه .. لم يكن لغزا أو لوغاريتما يحتاج من يحل رموزه مثل غالبية العاملين فى الوسط الصحفي بل كانت البساطة عنوانه والتواضع من شيمه.
واكتشفت ذلك فى وقت قصير .. فقد كان لى شرف الاقتراب منه طوال عملى بجريدة ( ميدان الرياضة ) حيث كان مكتبه مجاورا  لمكتبى واعترف أن ذلك منحنى القدرة على الإبداع والتأثر بمدرسته المحترمة منذ جاورته فى بداية عام 1992 ، ومن ينكر أن كثيرون تعلموا من هذه المدرسة الصحفية الكثير ومعظمهم فى مؤسسات صحفية كبرى ولهم أسماءهم الرنانة ؟
كان أستاذا وصحفيا بارعا ، لديه قدرة عجيبة على صناعة الخبر وكتابته بطريقة ميزته عن غيره حتى استطاع أصحاب الخبرة تمييز حروف كلماته حتى لو اندست فى ملفات متشعبة.
 مملكة الإبداع جاهزة لديه فى اى وقت لتضخ عطاءها لماكينات الطباعة ليقرأ الجميع كوكتيل من الإسقاطات والأخبار والآراء والتواصل الفنى البديع المنسوج بعبارات لغوية ومفردات أديب مبدع .
كانت أوقات الراحة بالنسبة له يقضيها فى القراءة بصورة تجعلك تشعر انك أمام المتنبي شاعرا .. أو يوسف إدريس قصاصا .. أو أنيس منصور فيلسوفا .. أستاذا فى التاريخ والتأريخ.
لم يكن يرضى بالحروب الصحفية .. ولا يميل للحملات أو التعرية بقدر ما يهمه فى المقام الأول الخبر وجدواه .. كانت الصحافة عشقه الأول ، والإبداع أدواته والصدق والحقيقة شعاره.
اذكر انه قال لى ذات يوم : الصحفي الذي يعرف جيدا مبادئ الصحافة يعانى كثيرا .. فمعروف فى الصحافة أنها تحترم أسرار المهنة ، والصحفي الذي يخون سر مهنته، ويفشى مصدر خبره .. لاستحق أن يكون صحفيا أو يحمل اسم صحفى.
ما قاله بكار لى لم يدرس فى كليات الإعلام أو الصحافة بل كان نهجا يسير عليه وعلمه للكثيرين .. لم يعرف قط مدرسة الفبركة أو إجراء حوارا مع رياضي يكتبه من مكتبه .. بل يبحث وينقب حتى يعثر على المصدر المطلوب .. واذكر أن طلب منه ذات يوم حوارا مع الكابتن محمد عمر المدير الفنى السابق لمنتخب مصر العسكري الذى كان قد تعاقد مع احد أندية لبنان ولم يجد "بكار" الذى يعرف كل كبيرة وصغيرة عن تاريخ عمر إلا الاتصال به اتصالا دوليا وعلى نفقته الخاصة ليقدم الموضوع فى موعده.
مع محمد بكار كنت أعيش الزمن الجميل .. فقد رأيته يضحك عندما يضحك أصدقاؤه ، ويضحى بما يملك من اجل إسعاد الآخرين .. وكان يجد متعة ورضا في ذلك ، وفى المقابل كان يحظى من أقرانه بحب واحترام غير عادى خاصة الذين يقدرون نبل مشاعره وكرم أخلاقه وشهامته .
آخر مرة التقيته كان قبل رحيله بأيام معدودة لاستمع لنصيحته ورأيه فى احد اصداراتى التى كنت قد انتهيت من تأليفها واستعد لطرحها بالأسواق .. وفوجئت بالفرحة تشع من عينيه وهو يقول مهللا موضوع الكتاب هايل ، وأنت نجحت فى احتواء الفكرة وعرضها كما ينبغي ، وأرجوك عجل بالطبع وأنا أتوقع للكتاب نجاحا هائلا .. وطرح علىّ فكرة جديدة لتكون الإصدار التالي .
وتحدثت معه عن موعد صدور جريدة (الملاعب الرياضية) التى انتهيت من تأسيسها لتخرج للنور ، وتطرق الحديث عن التبويب الخاص بالجريدة ورؤيته .. كانت الأفكار تتدفق من لسانه إلى مسامعي وأنا أنصت إليه باهتمام بالغ ، وكنت أدون بعض الملاحظات فى اجندتى الخاصة.. لقد قال لى بشان تعاونه معى فى الجريدة والاستفادة من خبرته : اننى سأكتفي بكتابة مقالا أضع فيه كل ما أريد أن أقوله للناس على أن أتولى معك ومع بقية أسرة التحرير الجوانب الفنية فى المطبخ الصحفى للجريدة .. وبالغ معى فى شهامته غير المحدودة عندما قال لى مداعبا " طبعا كل ده ببلاش حبا فى أبو خليل ، ( كما كان يحلو له ان ينادينى ) وربنا يوفقك " وياليت الظروف ساعدتني كي ترى الجريدة طريقها للنور قبل أن يرحل ليدون بقلمه مقالا أتباهى به .. فقد كان القدر رحيما به ، وصعدت روحه لبارئها قبل عام وفقدت أغلى واعز مقال للأستاذ بكار.
لم اصدق ان يمر عام على رحيل صديقى الغالى بكار .. فهكذا الدنيا .. ولا املك إلا الدعاء له بالرحمة وأسأل الله ان يعوضنا عنه خيرا فى أبنائه والسيدة حرمه ، وان يسكنه فسيح جناته بقدر ما أعطى لدنياه من حب وخير وطاعة لله ورسوله...اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية