أخبار الجزيرة المصورة

12 فبراير 2010

محمد رشدى
أفضل من انجبتهم دسوق


محمد رشدى .. ابن حى المستعمرة بمدينة دسوق .. قيمة وقمة ومبدع وصوت من أجمل الأصوات المصرية والعربية، وهناك ما هو أهم من كل هذه الأشياء هناك أصالته وتواضعه الفني والإنساني وطربه وسعادته بأية كلمة إطراء أو إشادة ونرصدها في هذا التقرير منذ طفولته وصباه وبداية مشواره الفني وحتي تحقيقه للنجاح، مطرب الأغنية الشعبية الذي أمتع ملايين العرب علي سبيل الوفاء لأصحاب الفن الجميل.
الجميل في محمد رشدى أنه المطرب الوحيد من أبناء جيله الذي لم يتوقف يوما عن العطاء الفني والمشاركة في الكثير من المناسبات الوطنية والدينية وعمل علي تطوير فنه ونفسه وقام بتوزيع أغنياته بتوزيع يتناسب مع إيقاع العصر وحقق ألبومه الأخير دامت لمين، الذي طرح الذى طرح قبل رحيله باسابيع معدودة وسط مئات من الألبومات للمطربين الشباب، نجاحا فنيا فاق الجميع.
البدية

كان لايزال جنينا في بطن أمه والأشهر التسعة قاربت علي الانتهاء ويكتمل معها الجنين، جنين لا تعرف معه أم صبرية أي شيء ياتري ولد أم بنت؟! كانت تتمتم ببعض الكلمات البطيئة بين الحين والآخر قائلة:يارب ييجي ولد وكان والده يدعو الله أن يرزقه بولد أيضا، أمه تتمني ولدا لأن له أختين، أما والده فكانت تسعده كلمة ولد فهو في حاجة إليه حتي يكبر ويشب ويساعده في عمله، وتمر الأيام والألم يزداد في بطن أم صبرية وبطنها يتكور ويتحجر، وفي يوم20 يوليو عام1930 تأتي أم عبد المعطي الداية إلي منزل أم صبرية ومع أول ضوء للنهار يعلو صراخ المولود فيرفع الأب وجهه إلي السماء مرة أخري شاكرا هذه المرة لإجابة طلبه فقد رزقه الله بطفل ولد يقف في ظهره ويسنده في سن الشيخوخة، وعندما أرسلت الشمس أشعتها كاملة وخرج الفلاحون إلي حقولهم وبدأت الحركة والنشاط تدبان مرة ثانية في حواري القرية، وتوافد الأقارب والأصحاب علي منزل أبو صبرية ليهنئوه بالمولود الجديد الذي أطلق عليه اسم محمد رشدي.
ملامحه الفنية
في بلدة رشيد التي تبعد عن دسوق حوالي50 كيلو مترا عاش محمد رشدي طفولته كأي طفل ولد في قرية كانت الوسعاية هي مكان تجمعه مع إخوته وأصدقائه يلعبون فيها الاستغماية والحجلة ونطة الإنجليز، كانت ملامح الشقاوة تتنطط من عين محمد رشدي بالرغم من الحياة القاسية التي كان يعيشها مع أسرته، فقد كان والده فقيرا ذا دخل يكاد لا يكفي رمق الأسرة وفي كثير من الأحيان كان يصل الأب إلي المنزل في آخر اليوم ولا يحمل لأبنائه شيئا يأكلونه واستمر الحال لفترة طويلة جعلت الأب يفكر جديا في الرحيل من رشيد إلي دسوق.
وفي دسوق وعندما أصبح سن محمد6 سنوات عمل مع والده في مصنع الطوب وراح محمد إلي المصنع لكن بوادر الغناء كانت قد بدأت تظهر عليه، فكان يغني للعمال إلا أن صاحب المصنع اعتبر هذا نوعا من التسيب والإهمال فقام بطرده من الوظيفة، واستغلت والدته طرده من المصنع فصممت علي دخوله المدرسة، فألحقته بمدرسة دسوق الإلزامية، ومكث رشدي في هذه المدرسة حتي تعلم القراءة والكتابة، وعندما وجده والده غير مهتم بالدراسة أرسله ليعمل في ورشة ميكانيكية، وكان صاحب الورشة رجلا قاسيا يهمه عمله بالدرجة الأولي، ففي أحد الأيام طلب منه مفتاح14 وكان رشدي لا يعرفه فما إن كان من صاحب الورشة إلا أن قذفه بالمفتاح حتي يعرفه، وفتحت دماغ رشدي وسالت منها الدماء وذهب إلي والده ورأسه مفتوح فلما صعبت عليه نفس أبيه طلب منه عدم الذهاب للورشة مرة ثانية، وفي هذه الأثناء كان محمد رشدي يغني للأولاد أغنيات ليلي مراد التي كان يعشق كل أغنياتها، وفي أحد الأيام أعلن في البلد عن عرض فيلم ليلة ممطرة بطولة نجمته المفضلة ليلي مراد في سينما مصر في دسوق، وكانت التذكرة وقتها بخمسة تعريفة ومن فرط حبه لليلي مراد وحرصه علي حضور هذا الفيلم يوميا كان يذهب فجر كل يوم عند باب السينما ويجمع بقايا التذاكر ويحاول لصقها بطريقة لا تظهر حتي تصبح التذكرة كاملة، كل ذلك لأنه لا يملك ثمن تذكرة دخول السينما، وفي أحد أفراح البلدة غني رشدي بعض أغنيات لأم كلثوم وليلي مراد وأشاد أهل البلدة بصوته وعندما علم الأب بذلك أصفر وجه وأخذته الشهقة ودقت الأم علي صدرها وانزعجت من أن ابنها بدأ يغني في الأفراح والتجمعات والموالد حيث كان مفهوم الأم عن المغنواتي أنه كالشحات يدور علي البيوت بالربابة ليجمع بعض القروش وبقايا الخبز.


انتقاله الى عالم الاحتراف
بعد بشهادة من أم كلثوم
ولأن لابد لكل موهبة حقيقية أن تعرف طريقها طالما كان الصدق حليفها، ففي مساء أحدي الليالي استمع إلي محمد رشدي معاون مستشفي دسوق الأميري محمود الدفراوي وكان وقتها محبا للموسيقي وصديقا للشيخ زكريا أحمد فأعجبه صوته وطلب من والد رشدي أن يترك هذا الصبي ليغني فهذا مستقبله ولديه مقدرة تتطور مع الأيام ليصبح مغنيا مشهورا.. وحاول إقناع والد رشدي بأنه سيعيش عيشه جيدة من وراء غناء ابنه وبعد تردد وافق الأب المحب أصلا للغناء، ودخل محمد رشدي في دور الاحتراف الأول عندما دعاه محمود الدفراوي لإقامة بعض الحفلات في المستشفي من أجل أن يجمع له أي مبلغ وذلك بالطبع بعد أن قام بتربية صوته وتعليمه أصول المغني، كان أول ما اشتراه رشدي من حفلات مستشفي دسوق الأميري بدلة اسموكن قديمة وببيون وكان يرتديهما طوال اليوم في عز الحر من الفرحة، وذات يوم حضرت كوكب الشرق أم كلثوم إلي دسوق لتقيم حفلا غنائيا فشاهدت محمد رشدي واستمعت إليه وأعجبت بصوته جدا لدرجة أنها قالت لمن حولها خسارة الولد ده. دخلوه معهد ولا حاجة ده صوته ييجي منه.
9 جنيهات اول أجر له للغناء والتمثيل

وبمساعدة فريد زعلوك أحد أعضاء مجلس النواب في القاهرة وابن دسوق والذي رافقه محمد رشدي في جولته الانتخابية ووقف بجواره حتي أنه لحن وغني من أجله أغنية كتبها له منجد بالبلدة اسمه كامل أبو شبل يقول مطلعها صوت الضمير لما يهتف تسمع له الناس دخل رشدي معهد الموسيقي العربية لكن بمجرد وصوله للقاهرة صادفته مشكلة كيف يعيش والعين بصيرة واليد قصيرة ووالده غير قادر علي إرسال أي فلوس له، وبعد أيام من وصوله تبدو له في الأفق بعض الحلول لمشكلته الاقتصادية فقد تعرف إلي الأستاذ حسن نافع الذي يجاور مكتبه مكتب فريد باشا زعلوك ـ الذي أبدي بدوره استعدادا لتقديمه لبديعة مصابني التي كانت يومئذ صاحبة أكبر فرقة استعراضية في مصر وكان العقد المبرم بينه وبينها يحدد قيمة الأجر الشهري بتسعة جنيهات نظير غنائه وتمثيله وكان هذا المبلغ كفيلا بأن يؤمن أيامه.

أغنية سامع وساكت ليه
من سلة مهملات عبد الوهاب
وكان طبيعيا في أي ريفي قادم من قريته أن يبحث عن بلدياته في القاهرة يحتمي بهم ويكون معهم شلة حتي لا يشعروا أنهم بعيدون عن قريتهم، وفي مساء أحد الأيام تعرف إلي أحمد المنشاوي الذي كان يظن أنه سكرتير الموسيقار محمد عبد الوهاب ولكنه في الحقيقة كان عامل البوفية في مكتب عبد الوهاب، وعندما علم المنشاوي أن رشدي من دسوق وعده أن يجعله يشاهد عبد الوهاب شخصيا ولم ينم ليلتها، وفي الصباح الباكر كان رشدي يجلس في بوفيه مكتب عبد الوهاب، وقام المنشاوي بتحذيره كثيرا ألا يغادر هذا المكان، وتكررت زيارة محمد رشدي للمنشاوي، وفي إحدي الليالي تسلل رشدي إلي سلة المهملات في مكتب عبد الوهاب وأخذ ينبش فيها ووجد ورقة مهملة بها كلمات أغنية فقال لنفسه لماذا لا آخذها وأقوم بتلحينها، خاصة أنه لا يملك أي نقود ليعطيها لأي ملحن وبالفعل أخذ رشدي كلمات الأغنية وقام بتلحينها، وكانت بعنوان سامع وساكت ليه ومع الأسف لم يصادف رشدي، عبد الوهاب علي الرغم من تكرار زياراته.

قولوا لمأذون البلد
كان حلم كل مطرب في ذاك الوقت أن يغني ولو نصف دقيقة كل شهر في الإذاعة لأنها كانت أكبر وسيلة سريعة يمكن أن تعرف الناس بالمطرب، وفي هذا الوقت ذاع صيت المطرب الشاب محمد رشدي في التجمعات الفنية وعند متعهدي الأفراح والحفلات، وفي حفل نقابة العوالم الذي دعي إليه عدد كبير من مسئولي الإذاعة كان من بينهم علي فايق زغلول الذي كان سكرتيرا لتحرير مجلة الإذاعة في ذلك الوقت، وعندما علم رشدي بوجود علي فايق زغلول الإذاعي الشهير غني بحماس شديد، وعندما سمعه زغلول تحمس له كثيرا وطلبه في مكتبه في اليوم التالي وقدمه للإذاعة كصوت جديد وغني رشدي أغنية سامع وساكت ليه التي أذيعت في20 مايو عام1951 ولاقت نجاحا كبيرا وجاءت أغنية قولوا لمأذون البلد لترفع اسمه خاصة بعد أن اندلعت ثورة يوليو وأصبحت الأغنية تتردد يوميا تعبيرا عن فرحة الشعب بقيام الثورة.

وفي أحد أشهر مايو عام1959 أي بعد زواجه بخمسة أشهر فقط دعي للاشتراك في حفل كبير في مدينة فايد علي شاطيء القناة مع مجموعة كبيرة من الفنانين منهم المطربة نادية فهمي والراقصة سلوي المسيري وعدد من نجوم الفكاهة، ووقعت حادثة في الطريق كسرت فيها ساقه وماتت نادية فهمي وسلوي المسيري وتوقف رشدي عن الغناء لمدة عامين عاني خلالهما الكثير، وعندما عاد أسند إليه مدير الإذاعة أمين حماد أيامها ملحمة أدهم الشرقاوي تأليف محمود إسماعيل جاد وإخراج يوسف الحطاب، وحققت الملحمة نجاحا شعبيا وفنيا كبيرا جعل الناس من جميع الطبقات تلتف حول أجهزة الراديو، كانت ملحمة أدهم الشرقاوي بالنسبة لرشدي ولغيره أيضا فتحا جديدا في الأغنية الشعبية، فهي كانت الأرض البكر التي نسبت إليها الأغاني الشعبية بعد ذلك ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية