أخبار الجزيرة المصورة

31 أكتوبر 2010

شارع المتنبي عاد مجدداً قلب بغداد الثقافي




رسالة العراق

سلام ابراهيم محمود

لم يعد شارع المتنبي في بغداد شارعاً للكتاب وحده، بل أصبح « شارعاً ثقافياً » بامتياز.ففيه تلتقي المثقفين وتسمع حوارات وتبادلاً للرأي، وتجد الكتب، التي تغص بها المكتبات وأرض الشارع وأرصفته، ما يتيح لك معاينة الثقافة العربية وهي تنعكس في « مرآة » مكان لا يتعدى امتداده 500 متر، وعرضه الأمتار الأربعة.
وإذا كان هذا الشارع منذ تأسيسه في ثلاثينات القرن الماضي « شارع كتب ومكتبات » كما أريد له أن يكون، فإنه في عقد التسعينات ( عقد الحصار الذي ضرب على البلد في مناحي حياته كافة، بما فيها الكتاب والمجلة ) شهد تحولاً ليصبح وفي شكل مفاجئ، شارع « مكتبات تفترش الأرض » اعتمدت أول الأمر، أكثر ما اعتمدت، على مصدرين: مثقفين وقراء يبيعون مكتباتهم الشخصية، أو جانباً منها لسد حاجاتهم المعيشية أو بدواعي الهجرة، والتصوير الذي وفر للقارئ، الذي لا يزال قادراً على الشراء، نوعين من الكتب: الكتب النادرة، والأخرى الجديدة التي لم يعد للقارئ العراقي، في تلك الفترة، أي تواصل فعلي معها إلا من خلال هذه الوسيلة (الاستنساخ)، وبينها عدد لا يستهان به من الكتب « الممنوعة رقابياً ».
غير أن الشارع يعيش « حريته » كاملة ( إن لم نقل فوضاه الفكرية والثقافية ) بعد عام 2003، اي بعد انهيار الدولة ومؤسساتها بفعل الاحتلال الأميركي، ليكون هذه المرة فضاء مشاعاً لعرض كل الكتب، ومن كل الاتجاهات والأصناف: من الكتب الدينية الى كتب « الفكر المحظور» سابقاً، وتلك الممثلة للاتجاهات الحديثة في الأدب والنقد، و كتب الجنس... فأصبح الشارع ملبياً لتوجهات القراء المختلفة، وكان من بين ما عرض فيه في بدايات الاحتلال « الكتب المسروقة » من المكتبات العامة، ومكتبات الدوائر والمؤسسات الحكومية التي خضعت كلها لما عُرف بحركة « الحواسم » التي أباحت نهب كل ما يعود الى المال العام أو يمت له بصلة، حتى غصت الأسواق به!
الشارع يشهد اليوم تحولاً واضحاً: فبعد أن كان مادة جاهزة للفضائيات التي قصدته في حقبتيه، قبل الاحتلال وبعده، يتحول اليوم الى شارع للثقافة الحقيقية، خصوصاً في الجمعة من أيامه.
فقد رحلت عن أرضه ومن مكتباته الكثير من « الكتب الغريبة » عليه وعلى ثقافة القارئ العراقي، وأصبحت تجد فيه الى جانب الكتاب المميز رواداً مميزين بثقافاتهم واهتماماتهم وهم يصنعون كل أسبوع « حلقة نقاش » يجرى خلالها تبادل الآراء، وتداول الخبرات في أجود ما عرض من كتب جديدة، والاستعلام عن آخر الإصدارات، وما يجرى على الساحة الثقافية في هذا المكان أو ذاك.
وقد يلتقي مثقفو المحافظات زملاءهم في هذا اليوم الذي أصبح منتظراً من الجميع. وقد تجد مجموعة من الشعراء ومحبي الشعر تنسل من هذا الجمع لتعقد على ضفاف دجلة المجاور ندوة لـ « بيت الشعر العراقي ». أو تجد مقهى الشابندر، وهو المقهى الوحيد في الشارع، وقد غص برواد يتبادلون أحاديث الثقافة وأخبار الكتب، ويناقشون وسط هذا الصخب موضوعاً ليس سياسياً.
هذا كله هو ما جعل لشارع المتنبي حاله الجديدة، حتى ليفكر من يتأمل في المشهد، وهو يراه في صورته هذه، وكأن كل شيء في ثقافة العراق اليوم قد انتقل بهمومه واهتماماته الى هذا الشارع: منه يبدأ، وإليه ينتهي.
يشهد شارع المتنبي، وهو شارع المكتبات في قلب العاصمة بغداد،ازدحاماً لافتاً ،حيث يعرض باعة الكتب والمجلات المستعملة والكتب المترجمة على الأرصفة أمام المكتبات العديدة في الشارع الشهير، وهم يبدون ارتياحاً كبيراً لتجارتهم الرائجة غير آبهين بالتهافت على شراء الأطباق اللاقطة المتوفرة للجميع، والمتابعة لمئات المحطات الفضائية التي كانت محظورة في ظل النظام البائد.
ويؤكد ايثار الكبيسي وهو شاب يملك مكتبة متخصصة في كتب القانون (ان الأطباق اللاقطة التي تباع الآن كما يباع الخبز لن تؤثر في شيء على سوق الكتاب) وأوضح (على العكس من ذلك، فالأطباق تزيد من مبيعاتنا، وإذا شاهد البغداديون برنامجاً دينياً على أحدى الفضائيات ترتفع في اليوم التالي مبيعات الكتب الدينية).
ويعد الكبيسي هذه الظاهرة في ازدهار المبيعات الى سببين الأول: (اقتصادي، فثمن الكتاب انخفض بسبب غياب الرسوم كما أن الأجور ارتفعت) والثاني: (سياسي إذ بات بإمكان العراقيين شراء ما يريدون من دون أي رقابة) ويجزم الكبيسي أيضاً (أن الكتب الدينية تلقى روجا خاصاً بما في ذلك النسخ المترجمة من القرآن الكريم الى الإنجليزية والتي يشتريها الجنود الأمريكيون مع نسخة بالعربية أو في نسخة واحدة بالعربية والإنجليزية).
ويؤكد كلام الكبيسي محمد حياوي صاحب إحدى أقدم المكتبات المعروفة في شارع المتنبي قائلاً (الناس يقبلون أكثر على شراء الكتب منذ انتهاء الحرب لأن الكتب الدينية والسياسية التي يشتد عليها الإقبال كانت محظورة في عهد الطاغية المقبور الذي كان يمنع أي كتاب لا يتصدر صورته الشيطانية) كما أن (هناك الكتب المبيعة تلك التي تعلم اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية).
وفي مقهى الشهبندر حيث يلتقي هواة المخطوطات القديمة يقول امير الموصلي وهو مترجم من اللغة الإنجليزية الى اللغة العربية (ان الجيل المتوسط مازال يقرأ، وأن الناس يشاهدون التلفزيون أكثر الآن ولكن ذلك لا يمنعهم من الاستغراق بالكتب).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية