أخبار الجزيرة المصورة

15 فبراير 2012

إبـراهيـــم حشــــاد يكتب : عامين على رحيل الصحفى السكندرى محمد بكار



  فى وقت كان فيه الصمت من ذهب والكلام من شوك فضل أن يمشى على الشوك حافيا على أن يضع الذهب فى فمه وجيبه .. لقد كان أفضل من وضع للصحافة الرياضية بالإسكندرية ميزانا ، وسطر اسمه بحروف من نور فى سجل النقاد المخلصين لعملهم ولناديهم بحب وانتماء .. علم الكثيرين من فرسان الصحافة الرياضية مبادئ وفنون المهنة وشرفها السامى .. وكان مضربا للأمثال فى نبله ، وأخلاقه التي كانت لا تنتمي لعصرنا الحالي ، عصر الماديات .. ومصلحتي أولا .. وأبجنى تجدني !! وما أكثر أن تجد لمنتفعى هذه المدرسة من أسماء براقة و ساطعة.

محمد بكار الصحفى السكندرى الأشهر الذي وافته المنية يوم ( الخميس ) قبل عامين ، وهو اليوم الذى كنا نرفع فيه حالة الطوارئ فى جريدة ( ميدان الرياضة ) لاخراج العدد الاسبوعى ، مع فريق العمل الصحفى الذى كان يحمل على عاتقه نجاح وتألق الجريدة فى كافة بقاع مصر بداية من الاستاذ بكار، والعبد لله ، مرورا بالاساتذة الافاضل وليد شعبان وفهمى سيد أحمد وسامح سعيد وأحمد حسن  وغيرهم من المراسلين الذين كانوا يحرصون على التواجد بمقر الجريدة بالاسكندرية لرصد آخر الاخبار والتحليلات .
مات بكار بعد صراع مع المرض .. فلم يستطع أن يقوى على علته التي أخفاها عن الناس ( كل الناس ) بمن فيهم السيدة حرمه وولديه احمد ومصطفى ، وكانت إرادة الله عز وجل هي النافذة لتصعد روحه الطاهرة إلى السماء ، ويخسر الجميع فارسا نبيلا وصحفيا شجاعا ، إحترمه خصومه قبل محبيه ، لنزاهة قلمه الذي كثيرا ما أمتع الوسط الرياضى وصنع نجوما مازالت تتلألأ فى الأوساط الرياضية خاصة السكندرية من لاعبين ومدربين وإداريين ومجالس إدارات. 
رحل محمد بكار رفيقي في العمل الصحفي لسنوات طويلة تاركا خلفه سجلا ناصعا من النزاهة والشرف هما كل أسلحة ولديه احمد ومصطفى والزوجة المحترمة التي أكرمه الله بها.. رحل الأستاذ النقى ، والفارس النبيل الذي يشعرك ( بجدعنة ولاد البلد ) .. رحل إلى الدار الآخرة بعد أن وضعت الأقدار نهاية لآلامه تاركا برحيله جرحا غائر فى قلوب أصدقائه وزملائه ومحبيه.
وكان الوداع بالغ القسوة على الجميع .. خاصة الذين حرصوا على المشاركة فى مراسم تشييع الجثمان ليرقد بمدافن المنارة .. يتقدمهم النائب المهندس محمد مصيلحى رئيس نادى الاتحاد السكندرى الاسبق ود. شريف الحلو عضو مجلس الإدارة الاسبق والكابتن محمد فتحى الحكم الدولى السابق وإيهاب جابر وفتوح حجازى ومحمد الكيلانى نقيب الصحفيين بالإسكندرية وإيهاب ثابت وكيل النقابة والسيد سعيد سكرتير النقابة وكريم صلاح أمين الصندوق ومنى عبد السلام عضو المجلس ..وحسين ثابت مدير مكتب جريدة الأهرام بالإسكندرية ونائبه عبد القادر إبراهيم وعصام رفعت الصحفى بالأهرام الاقتصادي وناصر جويدة الصحفى بقسم الحوادث بجريدة الأهرام وعمرو الفار رئيس تحرير جريدة جماهير الاتحاد والصحفى بالمساء والكابتن فتحى سيد احمد مدير تحرير جريدة ميدان الرياضة ، وفهمى سيد احمد رئيس تحرير جريدة الملاعب الرياضية ، والكابتن وليد شعبان الحكم الدولى المساعد الاسبق ، ومحمد فؤاد مدير مكتب جريدة الشروق بالاسكندرية ، واحمد حسن الصحفى الموجود حاليا بقطر الشقيق ، وطارق حمدى وهيثم الشيخ من وكالة أنباء الشرق الأوسط وحسنى حافظ الصحفى بجريدة الوفد واشرف منير مدير مكتب جريدة المسائية بالإسكندرية واحمد حسن بكر .. ومن نجوم الوسط الرياضى الكابتن احمد الكأس نجم الاوليمبى ومنتخب مصر السابق و الراحل الكابتن بوبو صخرة دفاع الاتحاد الأسبق ومدير العلاقات العامه بالنادى والكابتن هانى توشكى المدير الفنى للترام ويوسف حمدى لاعب الاتحاد السكندرى والزمالك الاسبق ونجم طنطا الحالى ومحمد بسطاوى المدير الادارى الاسبق بالاتحاد السكندرى.. وعدد كبير من أعضاء مجالس إدارات أندية الإسكندرية والمدربين واللاعبين والجماهير الرياضية .
محمد خليل بكار احد ابرز النبلاء فى هذا الزمن .. محمد بكار الذي ظل سنوات طويلة جندى مجهول فى جريدة ( ميدان الرياضة ) التي شهدت نبوغه وسطوع نجمه بعد سنين من العمل الدؤوب والجهد المضني ليحصد بكتاباته وأخباره الصادقة الحب كله من الجميع سواء من كانوا معه فى المطبخ الصحفي أو مصادرة الصحفية المتعددة والثرية . 
محمد بكار الذي كان أشبه بترسانة الأخبار المتنقلة ، وكان فى استطاعته كتابة جريدة بكاملها من أخبار وحوارات وموضوعات وكواليس ومباريات ومتابعات وغير ذلك من فنون الإبداع الصحفي الذي لا تشعر معه بالسفه أو الملل.
كثيرون هم الذين تعلموا فى مدرسة محمد بكار.. وكثيرون هم الذين نقلوا أخباره وقدموها لصحفهم ليصنعوا لأنفسهم مجدا زائفا .. كان يشاهد السرقة العلنية والسطو المسلح لموضوعاته الصحفية بعينه ، ويكتفي بالابتسام ، إما إشفاقا أو رضاءا .
لم يثور يوما ما فقد كان الهدوء والسكينة من صفاته .. كان البعض يعتبره متعاليا وهو الذى كان يمنح الاخرين التواضع .. اعتبروه مغرورا وهو الذى كان يثق فى قدرات نفسه.. لم يلهث خلف النجوم مثلما يسعى البعض ، بل كان يصادقهم ويرتبط معهم بعلاقات مودة وحب .. المثير أن غالبية نجوم الكرة الذين مروا على أندية الإسكندرية كانوا يحترمونه ويقدرون اسمه وتاريخه الصحفى قبل الوصول إلى عاصمة الثغر ، ويزداد احترامهم له كلما اقتربوا منه .. لم يكن لغزا أو لوغاريتما يحتاج من يحل رموزه مثل غالبية العاملين فى الوسط الصحفي بل كانت البساطة عنوانه والتواضع من شيمه.
اكتشفت ذلك فى وقت قصير فقد كان لى شرف الاقتراب منه أثناء عملى بجريدة ( ميدان الرياضة ) حيث كان مكتبه مجاور لمكتبى واعترف ان ذلك منحنى القدرة على الإبداع والتأثر بمدرسته المحترمة منذ جاورته فى بداية من عام 1992 ، ومن ينكر أننا تعلمنا منه الكثير وأنا واحد من هؤلاء .
كان أستاذا وصحفيا بارعا ، لديه قدرة عجيبة على صناعة الخبر وكتابته بطريقة ميزته عن غيره حتى استطاع أصحاب الخبرة تمييز حروف كلماته حتى لو اندست فى ملفات متشعبة .. مملكة الإبداع جاهزة لديه فى اى وقت لتضخ عطاءها لماكينات الطباعة ليقرأ الجميع كوكتيل من الإسقاطات والأخبار والآراء والتواصل الفنى البديع.
كانت أوقات الراحة بالنسبة له يقضيها فى القراءة بصورة تجعلك تشعر انك أمام المتنبي شاعرا .. أو يوسف إدريس قصاصا أو نجيب محفوظ راصدا حركاتنا الشعبية .. أو الابنودى ثائرا .. أو علاء صادق أستاذا فى التاريخ والتأريخ الرياضى .
لم يكن يرضى بالحروب الصحفية .. ولا يميل للحملات أو التعرية بقدر ما يهمه فى المقام الأول الخبر وجدواه .
اذكر انه قال لى ذات يوم : الصحفي الذي يعرف جيدا مبادئ الصحافة يعانى كثيرا .. فمعروف فى الصحافة أنها تحترم أسرار المهنة ، والصحفي الذي يخون سر مهنته .. ويفشى مصدر خبره ، لاستحق أن يكون صحفيا أو يحمل اسم صحفى.
ما قاله بكار لى لم يدرس فى كليات الإعلام أو الصحافة بل كان نهجا يسير عليه وعلمه للكثيرين .. لم يعرف قط مدرسة الفبركة أو إجراء حوارا مع رياضى يكتبه من مكتبه ..بل يبحث وينقب حتى يعثر على المصدر المطلوب .. واذكر أن طلب منه ذات يوم حوارا مع الكابتن محمد عمر المدير الفنى السابق لمنتخب مصر العسكرى الذى كان قد تعاقد مع احد أندية لبنان ولم يجد بكار الذى يعرف كل كبيرة وصغيرة عن تاريخ عمر إلا الاتصال به اتصالا دوليا ليقدم الموضوع فى موعده .
مع محمد بكار كنت أعيش الزمن الجميل .. فقد رأيته يضحك عندما يضحك أصدقاؤه ويضحى بما يملك من أجل إسعاد الآخرين.. وكان يجد متعة ورضا في ذلك ، وفى المقابل كان يحظى من أقرانه بحب واحترام غير عادى خاصة الذين يقدرون نبل مشاعره وكرم أخلاقه وشهامته .
آخر مرة التقيته كان قبل أيام من رحيله تحدثت معه عن موعد صدور ( الملاعب الرياضية ) في الأسواق وتطرق الحديث عن التبويب الخاص بالجريدة ورؤيته .. كانت الأفكار تتدفق من لسانه إلى مسامعي وأنا أنصت إليه باهتمام بالغ .. لقد قال لى انه سيكتفي بكتابة مقالا يضع فيه كل ما يريد أن يقوله للناس على أن يتولى معى الجوانب الفنية فى المطبخ الصحفى للجريدة .. وبالغ معى فى شهامته غير المحدودة عندما قال لى مداعبا " طبعا كل ده ببلاش حبا فى أبو خليل " وياليت الظروف ساعدتني كي تخرج جريدة الملاعب الرياضية الى النور قبل أن يرحل وافقد أغلى واعز مقال للأستاذ بكار.
عامين على رحيل الصحفى والمبدع والخلوق محمد بكار ، كأنهما دهرا .. رحم الله الفقيد وعوضنا الله عنه خيرا فى أبنائه والسيدة حرمه ، واسكن الفقيد فسيح جناته بقدر ما أعطى لدنياه من حب وخير وطاعة لله ورسوله .. اللهم آمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية