بدأ المرشحون فى مصر استعداداتهم لمواجهة المرحلة الجديدة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية حيث أعلن الغالبية منهم حالة الطوارئ باعتبار ان الانتخابات هذه المرة لن تكون سهلة كما كانت من قبل بل تحتاج الى دعاية وتواجد فى الشارع والتحام بالجماهير من اجل الفوز بثقتهم .
عالم جديد .. جو جديد .. استعدادات اكثر جدية عن سابقتها من الاستعدادات الاخرى تلك التى تصاحب كواليس الاستعدادات لانتخابات مجلس الشعب الجديدة المقرر اجراءها اواخر شهر سبتمبر المقبل ، والتى ستجرى وسط اجواء غريبة لم نتعودها من قبل طوال اكثر من نصف قرن .. فقد عشنا طوال السنوات السابقة انتخابات كثيرة ، سواء كانت انتخابات مجلس الشعب ، او مجلس الشورى ، او الاستفتاء على الرئاسة ، او انتخابات الرئاسة السابقة فى 2005.. كل هذه الانتخابات كان الناخب يعلم مسبقا من سوف يفوز سواء فى مجلسى الشعب والشورى او حتى انتخابات الرئاسة 2005 التى كانت تمثيلية من جانب الرئيس المخلوع وبطانة السوء.
كل الشواهد تؤكد ان انتخابات مجلس الشعب هذا العام محتلفة كل الاختلاف .. الظروف مختلفة .. الاحداث محتلفة .. التفكير ايضا سوف يختلف .. سواء تفكير المرشحين او تفكير الناخبين .
ولا غرابة ان تبدأ الاستعدادات مبكرا لانتخابات مجلس الشعب.. رغم عدم التحديد حتى الآن هل ستكون بالنظام الفردي أم بالقائمة النسبية .. وهل سيكون هناك تدخل في تغيير صفة العمال والفلاحين والفئات وماهو الموقف النهائي من الكوته!
فالأهم الآن اننا ندخل عصر جديد من الحريات .. عصر التعبير عن الرأى والاختيار الحر ، والانتخابات النزيهة .. ولعل ذلك ما جعل طوفان من الأسماء يعلنون مبكرا خوض المنازلة التى نأمل أن تتسم بالديمقراطية وعدم إستغلال المناخ الذى نعيشه لتعكير الصفو وإفساد مكتسبات الثورة المجيدة .
ولا غرابة أن نسمع عن نية عدد كبير من رجال الحزب الوطنى خوض الانتخابات مرة اخرى كمستقلين رغم قرار الغدر بعد ان خلعوا ثوب الحزب فى أعقاب السقوط المدوى للنظام رغم أن كان الغالبية منهم كانوا يلهثون للحصول على كلمة أو وعد لدخول قائمة الحزب الوطنى فى انتخابات الدورة الاخيرة التى تم حل مجلسها اعترافا بتزوير نتيجة مرشحيه وبالطبع جميعهم من اعضاء الحزب الوطنى .
وكانت توابع الثورة وما صاحبها من كشف لفساد الحزب والدولة معا ، قد اصابت الغالبية بحالة من الذهول خاصة اعضاء الحزب الوطنى الذين لم يدركوا حجم الفساد الذى كان ينخر فى الوطن كالسوس دون ان يدروا ، وهو ما أعطى إنطباعا لدى المواطن البسيط أن الحزب فاسدا .. والمحليات فاسدة ، وأعضاء الحزب فى كل مكان أيضا فاسدين!! بعد أن ظهر فاسدهم الكبير (مبارك) ، وظهر معه فساد معاونيه فى ادارة الحزب الوطنى بدءا من صفوت الشريف وجمال مبارك وأحمد عز و د. على الدين هلال وصولا الى الوزراء جميعهم وأعضاء صغار فى الحزب الوطنى أثروا ثراءا فاحشا من أموال الشعب ، وسلبوا ونهبوا خيرات البلاد بنهم ووحشية لم يشهدها التاريخ.
واعتقد ان المحليات فى مصر تحتاج الى تطهير شامل بدءا من رؤساء الوحدات المحلية ونوابهم ، وصولا الى رؤساء المدن والمحافظين خاصة الذين كانوا ينتهجون سياسات الحزب، والتطهير الذى أقصده ليس بالغاء المحليات وترك الساحة خالية !! بل هو أقصاء القيادات الموجوده على الساحه ومنح الفرصه لغيرهم لخدمة الوطن بعد تحطيم الجدار العازل الذى باعد بين المسئول والمصلحة العامة.
ولا شك ان الصدمات المتلاحقة التى تعرض اليها الشعب فى رموز البلد ساهمت فى عودة الكثيرين من اعضاء الحزب الوطنى فى المحافظات الى رشدهم ، والبحث عن اقرب السبل لتعويض المواطن الدسوقى عما اقترفوه فى حقه ( ربما بحسن نية ) من تخاذل وتقاعس عن أداء الدور الوطنى الذى كان ينبغى أداؤه وسط سلسلة من الازمات الاقتصادية والمعوقات الروتينية والقهر والترهيب وشغل المواطن بمشاكل اقتصادية خلفتها حالة الضنك التى ألبستها الحكومه للشعب باكمله .. وبالتاكيد انتقلت العدوى لدى اعضاء الحزب فى سائر انحاء المحافظات المختلفة، الذين اصبحوا فى صورة مثالية لم نتعودها !! ربما بعد شعورهم بالذنب ، ولانملك الا ان نفتح لهم الابواب على مصاريعها ليستمتعوا بمكاسب الثورة .. فمن بين هؤلاء اخيك واخى ، واختك واختى ، وقريبك وقريبى ، وجارك وجارى .. وليس مطلوبا ان نقيم الحد على كل من كان ينتمى للحزب الوطنى !! فهؤلاء الذين اتحدث عنهم لاحول لهم ولا قوة ، وليسوا فاسدين ، او محرضين على الفساد ، وليسوا حيتان مثل احمد عز ، وجمال وعلاء مبارك ، وصفوت الشريف وغيرهم من زبانية العصر البائد والفاسد .
وما اريده هو ان يكون لكل مواطن حق الترشح فى الانتخابات المقبلة فى ظل انتخابات نزيه ، وليختار الشعب من يريده ، حتى ولو كان من منتمى الحزب الوطنى قبل حله .. فالحكم على الاشخاص فى هذه الحالة يجب ان يكون معياره الاداء الوطنى لخدمة مصر وشعبها .
من كان يصدق أن من كان يسميهم الحكم البائد بـ " الجماعة المحظورة " أصبحوا اليوم متواجدين بكل حرية فى الشارع ينعمون بالعهد الجديد ويفرضون آراءهم بكل حرية بل ويؤسسون حزبا سياسيا يمارس كل حقوقه السياسية .. يناقشون ، يختلفون ، يتحاورون بكل حرية .. والعيب كل العيب ان ندخل العامة فى قضايا الفساد وحرمان شخص من ممارسة حقوقه السياسية بدعوى انه كان " وطنيا " ، فهذا قهر يماثل قهر الحكومة ضد الاخوان المسلمين الذى كنا نرفضه ونقف فى وجه الحزب الوطنى اذا كان طرفا فى انتخابات مع الاخوان حبا وتعاطفا للاخوان.
واعتقد ان انتخابات البرلمان هذه الدورة ستكون فوق لهيب من المنافسة التى لا تحكمها معايير، لو نظرنا للامور بتلك النظرة الضيقة !! وعلينا ان نضع هموم الوطن وطموحاتنا نحو مصر المستقبل فوق كل اعتبار .. ولا يجب ان نستحضر الموروث المتراكم فى ذاكرة كل منا ، وما زرعه فينا النظام السابق لمناصبة العداء لاى فصيل على حساب الاخر، سواء كان اخوان او ناصرى او وفدى اوغيره من التيارات الاخرى .
وفى اعتقادى ان فرصه جماعة الاخوان المسلمين لن تكون مستحيلة في حصد العديد من المقاعد فى مجلس الشعب القادم إذا تم التعامل مع الانتخابات بثقافة الانتخابات السابقة .
كما أن الإخوان الذين فقدوا كل المقاعد في الدورة التي تم حلها مع ثورة 25 يناير ، يستعدون بقوة للحصول على أكبر قدر من المقاعد داخل البرلمان وتبدو فرصتهم أفضل بعد أن نجحوا في حشد الناس إلى حد كبير في التصويت بنعم ، وفقا للعديد من المصادر الانتخابية.
كما يجب ألا ننسى تأثير المجالس المحلية التي لم تحل حتى كتابة هذه السطور، وأن أغلبية أعضائها من الحزب الوطني !! بما يعني أن احتمالية تأثيرالاخوان وارد جدا ومنطقي فى ظل حالة عدم الرضا عن كل ما هو " وطنى " خاصة وان اعضاء المحليات يمثلون عصب الأحياء والمدن والقرى والنجوع، وربما تتفجر المفاجآت التى قد تقلب موازين الانتخابات القادمة مرة أخرى في صالح الوطني وهو ما يعكس ان المنافسة مفتوحة امام الجميع .
أم بقية الأحزاب فمازال الأمر يشكل لها مشكلة حقيقية ، فهل تدفع بنفس الوجوه التي رسبت في الدورة المنحلة الأخيرة والتي شابها التزوير وخلافه ، أم تبحث عن وجوه جديدة ؟ .. ويظهر في الكادر شباب 25 يناير وإتلاف الثورة الذين لن تكون الفرصة متاحة لهم بشكل كبير لتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان .. نظرا لعدم وضوح الرؤية عندهم بعد وان كان هناك عدد من الاسماء التى اعلنت عن نيتها خوض التجربة للاستفادة من مكاسب الثورة ، ولكنهم بحاجة لان يندرجوا جميعا تحت حزب قوي .. بدلا من ان يتفرقوا على الأحزاب الموجودة أو يشكلون أحزابا جديدة !! وبلغة الانتخابات والوقت ستكون فرصتهم صعبة جدا أمام هذا الحشد المستعد للتعامل مع الانتخابات بحكم الخبرة والممارسة ، خاصة وأن التغيير المعنوى الذي طرأ على الناس لن يكون بديلا للاحتياج المادي الكبير للصرف على الدعاية الانتخابية واقناع الناخبين بأن عهدا جديدا قد بدأ .. وان افكارا جديدة تنتظر الافراج لترى النور وهو ما يضع عبئا على شباب الثورة الذى يفتقد التمويل، وهذا العبئ بالطبع من الممكن الا يكون مستحيلا على شباب ازاح مبارك وحاشيته عن سدة الحكم ، فشباب مصر مازال بخير ويملك طاقات أقوى من المال!
الاقاليم المصرية لن تكون بعيدة عن صراع الرموز القديمة التى تحتاج الى تجديد الخطاب الانتخابى ، والوجوه الجديدة بما لها من ثقل فكرى وحضارى وتكنولوجى .. واعتقد ان الفرصة مواتية لنرى انتخابات جادة ، ستغير صورة مصر البرلمانية قبل انتخابات الرئاسة .
المواطن البسيط ينظر الى المرشحين فى الدورة القادمة بعين الاحترام والانتظار معا ، خاصة وهناك اسماء البعض منهم يراهن عليهم ، والبعض الاخر ادمن الانتخابات حتى لو اجريت داخل منزله على طريقة الفنان محمد صبحى فى مسلسل " ونيس "، وهناك أسماء تعودت خوض المعركة بإعتبارها " شو اعلامى " يضعهم فى دائرة الضوء ، وهناك مرشحين مازالوا يرون ان الزمن زمنهم ، والعصر عصرهم رغم ان الواقع يؤكد سحب السجادة من تحت اقدامهم ، والقائمة عامرة بكافة الاسماء التى اختلفت ميولهم وافكارهم .. والايام القادمة سوف تحمل مفاجات كثيرة جدا بدخول أسماء أخرى مرحلة جس النبض وطرح أسماءهم على الساحة كبلونة إختبار قبل التقدم الفعلى للترشيح ، حيث سيضع المرشحين خطة تحرك للإنتخابات ، بعد تحديد ما إذا كانت ستجرى بالنظام الفردى أو القائمة النسبية ، بما يتمشى مع ظروفهم وتربيطاتهم وتكتلاتهم بما يتفق ورغبة المواطنين فى التغيير للأفضل.
ان مصر بحاجة الى تجديد الدماء وينبغى ان يكون صندوق الاقتراع هو المعيار والطريق لتحقيق ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق