أخبار الجزيرة المصورة

02 ديسمبر 2011

ثقافة الاحتجاج ! بقلم:إبــراهيــم حشــاد



موجة عارمة من الاحتجاجات الشّعبية تجتاح العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، هذه الاحتجاجات وبالطّريقة التي تتم فيها، جاءت مفاجئة في التّوقيت والكيفية والاستمرارية، رغم كل القمع الذي يجري بحق المشاركين فيها، وهي حالة غابت عن العالم العربي لعقود طويلة، ولم يكن معهوداً أن يخرج الجمهور في مسيرات عارمة، تطالب بمطالب اجتماعية واقتصاية وسياسية ، فلم نكن نرى المواطن المصرى الا واقفا فى طابور العيش ، أو متعلقا فى احد وسائل المواصلات المزدحمة عن آخرها ، أومكتويا بإرتفاع الأسعار بلا ذنب إقترفه ، أو حائرا فى تدبير مصاريف الدروس الخصوصية التى يحصل عليها كل أبناءه ، وفى كافة مراحلهم التعليمية المختلفة.. ورغم المعاناة التى يلاقيها يخرجون يمارسون حياتهم ببلاده وتعود واستسلام .
والغريب ان المواطن المصرى كان يجد متعة فى العزف على اوتار النفاق الاجتماعى للحكام وعلية القوم ، والتّسبيح للحاكم وولديه بنعمتهم ، في تبجيل وإجلال قارب أوصاف الألوهية ، حتى وصل شعور الحاكم بالنّرجسية والديكتاتورية والشّعور بالفوقية، لم يعد بعدها بإمكان الحاكم رؤية أبناء شّعبه إلا كعبيد وقطعان وماسحي أحذية ومصفّقين.
" إللي ما بيبوسش الجزمة، ملوش لزمه"... بهذه الكلمات كان أحد قادة وزراة الدّاخلية يخطب برجال الشرطة خلال ثّورة 25 ينايرالشّعبية ، فالمواطن مخيّر هنا بين أن يكون لاعقاً لأحذية النّظام القمعي، من الغفير حتى رأس النّظام، وبين أن يكون ( ليس له لازمه) أي بتعبير آخر حكم بالاعدام بدون محاكمة، وبشكل يستخفّ بآدمية الجمهور.
أحد الأعراب قديماً جادل رسول الله عليه الصّلاة والسّلام في العطايا، وطالبه بالمزيد قائلاً: ( هذا ليس بمالك ولا مال أبيك) وآخر طالب بالاقتصاص منه في غزوة أحد ، لأنه وخز صدره بقشّة، ولم نسمع أنّه غضب منهم ولا قتلهم.
أبو بكر الصدّيق قال: ( لقد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني) والتقويم هو ( الاحتجاج القولي والعملي ) والأساس هنا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي حريّة الاحتجاج، بل طلبه من قبل الحاكم وتشجيع الجمهور عليه.
في عصرنا..عندما يحتجّ الجمهور، فهو في عرف الحكّام وجلاوزتهم صاحب إحدى الصّور التالية...
متآمر ومتحالف مع الخارج، فبينما يتمرّغ أغلب الحكام العرب في وحل الخيانة والعمالة للغرب، ويطبّقون تعليماتهم بحذافيرها، يصبحون في يوم وليلة، مناضلين وثوريين ومحاربين للغرب الاستعماري الصّليبي، ويتّهمون الشّعوب بالعمالة للغرب، ويستخدمون ضدّها ما يقوله الغربيون من شعارات، أو قيامهم بأفعال لمناصرة الحراك الشّعبي ، مع أنّ مناصرة الغرب للحراك الشّعبي العربي شكليّة، و تأتي في إطار منح الفرصة الكاملة للحكام للإجهاز على الاحتجاجات، ولكن في حال تصاعد الوضع، يضعون قدماً هنا وقدماً هنا، وفي حال وصلت الأمور لحالة اللاعودة - مثل اليمن وسوريا - يبدأون بالانضمام تدريجياً لحركة الاحتجاج، في ظاهرة انتهازية مادية ، همها الوحيد الاستثمار في الحالة الشّعبية العربية، وتحويرها - قدر الإمكان - لتكون غير معادية لهم ، وخادمة لمصالحهم .. وفي نفس الوقت، يساعد هذا التّدخل في تقوية حجج الحاكم المجرم في تقتيل شعبه، وفي ترويج أقرانه من الحكام العرب لما يسمّى بنظرية المؤامرة، عندما تتحرك شعوبهم ضد قمعهم لها وسرقتهم لأموالها وانتهاكهم لحرماتها كما يحدث على الساحة الان.
ولذلك نلحظ قيام الاعلام الغربي بتسريب تقارير مزعومة كثيرة ، عن دعم أمريكي لمعارضين سوريين وعرب في سبيل الاطاحة بحكامهم، وهذه التّسريبات مقصودة، كما أنّها تترافق مع تصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكية قالت بموجبها أنّ الغرب لن يتصرف مع الأسد مثل القذّافي إذا قتل شعبه مثل القذّافي ، وهذه إشارة واضحة له للاستمرارفي سفك دماء الشّعب السّوري بدون محاسبة ، إمّا رغبةً في إبقاء الواقع السّياسي في سوريا كما هو، مترافقاً مع تهشّم صورته شعبياً وعربياً وعالمياً، بعد ارتكابه للمجازر بحق شعبه ، أو رغبة منها باستدراجه مثل النّظام العراقي ، عندما أعطت السّفيرة الأمريكية الضّوء الأخضر لصدّام لاحتلال الكويت.
ولكن الظّاهر أنّ أصحاب النّظرة الإجرامية تجاه احتجاج الشّعب السّوري، كان صوتهم أعلى.
والتّساؤل هنا.. هل إقحام الجيش في معركة طحن حركة الاحتجاج الشّعبية، لفرض انتصار للحاكم المستبد على شعبه، عبر المجازر والدّبابات، حتى لو نجح، فأي أكاليل ستوضع على رؤوس من اقترفوا هذه الجرائم؟ فالحقيقة السّاطعة هي أنّ من يقتل شعبه مهزوم على كل الأوجه، وسيكلل رأسه بأكاليل العار، وليس بأكاليل الغار، ولن يغسل عاره ألف موقف مشرّف خارجي ، مهما كان.
أهم ما يميّز الثّورة العربية الحالية أنّها نشرت ثقافة الاحتجاج بين النّاس، وبات تحجيم هذه الثّقافة ومنعها من الانتشار مستحيلاً، ولذلك فقطار التّغيير سيستمر بالحركة، ومهما حاول المستبدّون وأعوانهم إعاقة حركته فلن يستطيعوا، فقد نهضت الشّعوب العربية من كبوتها، ودبّت في عروقها دماء الكرامة والحرّية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية