أخبار الجزيرة المصورة

02 ديسمبر 2011

المتسولون الجدد يأكلون الجمبرى بقلم : إبــراهيــم حشــاد



فى محل الأسماك الذي يمتلكه منصور عيد بوسط القاهرة ساقتنى قدماى للذهاب الى هناك بصحبة أحد اصدقائى الصحفيين .. ولاننى أذهب الى أول مره فقد كان شغلى الشاغل استطلاع واستكشاف المكان والوقوف على الطقوس الخاصة به .. وفى المحل توقفت عند أحد الزبائن ، شخص يدعو مظهره للتعاطف بملابسه الرثة ، عرفت أنه يتردد على المحل و أنه أحد أهم الزبائن عند منصور، حيث يقوم بشراء الجمبري الجامبو وأفخم أنواع الأسماك وأغلاها سعرا، وبما لا يقل عن مائتي جنيه.
وبالرغم من أنه متسول فهو بالنسبة لمنصور زبون خاص جدا.. هذا المشهد ذكرنى بقسلم المتسول الذى كتبه ابن دسوق الفنان والمخرج الراحل سمير عبد العظيم ومثله عادل امام واسعاد يونس وسيد زيان وصلاح نظمى وعلى الشريف ووحيد سيف.. وكانت شخصية المتسول التى اداها ببراعة الفنان عادل امام تدور فى هذا الفلك.
وما شاهدته فى محل منصور عيد للاسماك بوسط القاهرة لم يكن حالة فردية !! فيبدو أن ما يمكن وصفهم بـ"المتسولون الجدد" أصبحوا يشكلون ظاهرة سواء في عددهم أو في الأساليب التي يستخدمونها في التسول أو حتى في سلوكهم الظاهر أمام المجتمع.
أن ظاهرة التسول أصبحت مثيرة للاشمئزاز والسخط ، فلا تكاد تمر محطة واحدة من محطات اى قطار او مترو او ترام دون دخول سيدة أو رجل أو طفل يروي للركاب قصة مختلفة، مفادها أنه أو أحد أبنائه مصاب بمرض خبيث أو يحتاج إلى حقنة أو علاج يتكلف آلاف الجنيهات شهريا، وفي يده بعض من صور لأشعات وتحاليل لحبك القصة، وأحيانا قد يكون الشخص مصابا في ساقه أو ذراعه بمرض ويتسول به.. وعند محطة السكة الحديد فى دسوق خير شاهد حيث يرقد شاب يرتدى جلباب ابيض يرمز للمصحة أو المستشفى ويضع بجانبه ( قربه ) بها بعض قطرات الدم الذى تغير لونه ومال الى الاصفرار فى مشهد مقزز يعزز رأيه فى سذاجة العابرين حوله الذين يطالبهم بالمساعدة المالية وللاسف يجد من يستجيب له ! فتخرج الأيادي تندفع نحو الجيوب لتخرج منها ما تقدر عليه وتمدها لهذا المتسول . والحقيقة أنك لو تتبعت هؤلاء فستجدهم أشخاصا عاديين يعيشون في مناطق عشوائية، لكنهم يصرفون ما يتجاوز دخل 20 أسرة وربما أكثر، ولا يتضح ذلك إطلاقا فى طريقة العيش أو الشكل أو أسلوب الحياة والتعامل.
وما يزعجني كثيرا منظر الأطفال الجالسين بالميدان الابراهيمى بدسوق ويمسكون الأقلام والكراسات وأمامهم الكتاب مفتوح، مدعين أنهم يحلون الواجب المدرسي وأمامهم بعض من أكياس المناديل الورقية، مشيرا إلى أنه لا ينادي عليك ، ولا يدعوك للشراء تاركا لك ( كما رسم له ) أن تتعاطف معه باعتباره شخصا مكدا ومجتهدا .. وهو اسلوب ووسيلة ابتكرها أباطرة هذه المافيا للعب على وتر المشاعر الإنسانية.
وقد ينتهي هذا الطفل متسولا وهو الذي لايتجاوز عمره العشر سنوات من كتابة كراسة كاملة، قد تجعله متميزا في الدراسة اذا ركز فى المذاكرة ، ونراه في المستقبل طبيبا أو مهندسا أو خبيرا في أي مجال.
إن ظاهرة التسول وخصوصا ارتداء النقاب بين السيدات المتسولات، أصبحت هي أكثر الصور وضوحا، فأصبحت غالبية المتسولات منتقبات وهو وسيلة لاستدرار العطف.
عملية التسول في تزايد مستمر ولم تنته بقيام ثورة 25 يناير، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، وأدى ذلك إلى دخول شرائح جديدة من المجتمع إلى عالم التسول، حيث تجد البنات والاولاد يقومون ببيع أشياء بأسعار زهيدة فى شارع سعد زغلول او فى موقف السيارات العمومى او موقف الارياف او فى ميدان سيدى ابراهيم الدسوقى وغالبية هذه الاسياء لا تدر ربحا لها!
واعتقد أن الانفلات الأمنى في أعقاب الثورة زاد من حدة هذه الظاهرة، وأوجد نوعا من المتسولين على درجة عالية من الجراءة تهدد أمن المواطن واستقراره ، أن ذلك له أثر بالغ على المجتمع حيث جعلت المواطنين في حالة خوف وقلق دائمة، وذلك لارتباطه بوجود أفراد خارجين عن القانون، واعتباره نوعا من أنواع التسول، له مردود على المواطنين، حيث يصيبهم بنوع من الرعب.
أن التسول كظاهرة دخلت مرحلة التطور وهذا يرجع لشخصية المتسول نفسه تلك "الشخصية السيكوباتية" وهي شخصية مضادة للمجتمع، وتتسم بالذكاء، وذلك من خلال خداع الناس وجعلهم ضحايا لهم ، باستخدام أساليب أكثر تطورا وتأثيرا.
وعن تعديل سلوك الأطفال في المستقبل يقول علماء النفس انه من السهل تعديل سلوكه عن طريق المنظمات المجتمعية والأهلية، فضلا عن ورش العمل وإيجاد سبل عمل مناسبة، مشيرا إلى أن تعديل سلوك الأطفال يكون سهلا عن تعديل سلوك الكبار الذين اعتادوا على السهولة في العيش، فضلا عن تلذذهم من تلك المهنة.
وحل هذه الظاهرة يكمن في عمل الحكومة على رفع مستوى الدخل، ومواجهة المشكلة بتحقيق نهضة شاملة للبلاد، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم بها جميع المؤسسات الأهلية والحكومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية