الناس فى كافة أنحاء مصر يعيشون على أمل أن يمد الله فى أعمارها ليشاهدوا خزينة الأسرار وهى تنضح بما فيها من كنوز، سواء كانت مالية، أو ذهبية، أو ورقية تخبرهم بما كان يحدث فى عصر مبارك وكان غائبا عنهم.
ولان استرداد الأموال المنهوبة لابد أن يسبقه استرداد الوثائق المهمة وكشف ما حدث فى ديوان الرئاسة خلال أيام الثورة فان الأمر يحتاج إلى ضرورة تكثيف الجهود للعثور على خزينة الأسرار.
بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دار صراع محير حول خزينته الخاصة ترجمه السادات بإعلان رفضه فتح الخزينة متحججا بنفسيته التى كانت تصاب بالتعب لمجرد السير فى شارع الخليفة المأمون الذى يذكره برفيق دربه ناصر، ولكنه خضع لرغبة هدى عبد الناصر التى وصفها ( ببنته التى رباها ) فى فتح الخزينة وقال لهم السادات: يا أولادي الخزنة دى بتاعة الدولة والأوراق اللى فيها بتاعة الدولة.
أما خزينة الرئيس السابق مبارك فربما لم تجد شخصا يهتف ليعلن ملكيتها للدولة لأنه لا أحد من أسرة الرئيس يؤمن بفكرة ملكية أى شبر فى مصر للدولة، وبالتالي طبيعي جدا أن تكون الخزينة أو على الأقل ما كان فيها قد سافر أو اختفى، فهل يمكن أن نطلب الآن تشكيل لجنة موثوق فيها من قبل الناس لمتابعة وفحص كل ما يتعلق بالرئيس بعد رحيله؟ حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتضيع حقوق الناس الغلابة أو على الأقل حتى لا يتعرض أمن مصر القومي الذى صدعنا النظام السابق بضرورة الصمت عن أى شىء من أجله للخطر إذا وقعت وثيقة مهمة أو ورقة سرية فى يد واحد من الأتباع الذى ساقه حظه أمام خزينة الرئيس السرية أو على يد واحد من أسرة الرئيس يريد الانتقام من الشعب الذى حرمه من الحكم و« بهدل » والده.
ربما يكون طلب تشكيل لجنة غريبا بعض الشيء، ولكنه سيكون مطلبا ضروريا فى دولة مثل مصر كانت العشوائية والحكم الفردى والدماغى سيد الموقف، خاصة أن مبارك طوال فترة حكمه كان يحاول أن يرسخ فى نفوسنا أنه يحكم البلد من دماغه وبخططه بعيدا عن الوزراء السكرتارية أو المستشارين الصامتين، بدليل أنه حينما فاجأ الجميع بقرار تعديل الدستور من مدرسة المساعي المشكورة قال هذا الكلام، وأكد أن الفكرة كانت فى دماغه وصرح بها قبل أن يصدر لها قرار رئاسي رسمى، كل هذا وأكثر منه يستلزم أن تضمن لجنة رسمية موثوق فيها حقوق الشعب والدولة فى الحصول على الأوراق الرسمية للدولة، خاصة التى يحتفظ بها الرئيس السابق فى خزينته الخاصة بعيدا عن عيون المكاتب الرئاسية، حتى لا يتكرر ما حدث مع الرئيس الراحل عبد الناصر وتختفى أسرار البلد إلى حيث لا يعرف أحد، ونقف أمام الخزينة التى كان من المفترض أنها تحمل ماضى البلد ومستقبله وهى خاوية على عروشها بعد أن ذهب ما فيها إلى أيدي من قد يستطيع ابتزاز دولة بالكامل.
نحن لا نريد أن يقف زكريا عزمى أو سوزان مبارك أو فتحى سرور أو جمال مبارك وينظر لخزينة السيد الرئيس ويحمل منها ما لذ وطاب، لا نريد أن تهادى أسرة مبارك بعضها البعض بأملاك البلد ولا أسرارها، ويكفيهم ما حصلوا عليه طوال فترة حكم الرئيس ووجوده، ولا نريد أن يحدث مثلما حدث لخزينة عبد الناصر حينما فوجئ السادات بتليفون من هدى عبد الناصر تخبره بأنها تريده أن يحضر لمنزل عبد الناصر فورا.. وحينما ذهب السادات وجد المفاجأة وقالت هدى: (أنا نزلت زى أنت ما قلت. أنا وخالد نفتح الخزنة علشان نطلع الورق ونفرزه وآخذ الأوراق الخصوصية والباقى أبعته لك وجدت الخزنة فى غير الوضع اللى أنت شفتها فيه..).
لا نريد أن يقال لنا ( عفوا أيها الشعب كتب عليكم الصبر حتى يوم الساعة، لن تعرفوا شيئا عن الرئيس سواء كان حيا أم ميتا، فلقد سرقت خزينة أسراره، أو لم نجد بها شيئا ذا قيمة ).
من المؤكد أن خزينة الرئيس مبارك أكثر تقدما، ومن المؤكد أنها ربما تفتح أبوابها بالبصمة اليدوية أو الصوتية أو بأرقام حسابية على أقل تقدير، ولكن من غير الرئيس مبارك يملك طريقة لفتح تلك الخزينة؟ فى تلك الحالة سنسأل عن الأشخاص الذين يثق بهم الرئيس، وهنا سنتوقف كثيرا لأن الرئيس السابق يبدو كأنه لا يثق فى أناس كثيرين أو لا يثق فى آخر غيره، وهو ما يمكن أن نترجمه من فردية حكمه وفردية اتخاذه القرار، ولكن دعونا نستثنى كل ذلك ونقول إن السيدة سوزان رفيقة دربه يمكنها أن تقوم بتلك المهمة، أو زكريا عزمى أقرب المقربين يملك الكلمة السحرية لخزينة أسرار الرئيس، هل سيكون ذلك مريحا لأي منكم؟ أن تكون النظرة الأولى على أسرار مصر للسيدة سوزان التى كانت تسعى لتوريث ابنها، من المؤكد أن الأمر لن يكون مريحا على الإطلاق لأنه سيكون استكمالا لما كان يحدث وقت وجود الرئيس، بمعنى أنه لن يعرف مصرى واحد ما كان يتلهف لمعرفته عن الرئيس وأسراره وأسرار البلد.
نعود للسادات الذى قال إن أولاد عبد الناصر قالوا عاوزين نبلغ النائب العام ولكنه قال لهم مش أنتم اللى تبلغوا، الدولة هى اللى تبلغ لأن الخزنة بتاعة الدولة، المهم إن هدى ومعها السادات أكدا أن الورق الموجود فى الرف الفوقى لم يكن مرتبا، وتلك لم تكن عادة عبد الناصر الذى كان مرتبا ودقيقا، ومن هنا جزما بالسرقة.. فهل هناك طريقة واحدة يمكننا من خلالها تحليل أداء الرئيس مبارك واستخلاص بعض الحقائق؟
الطب النفسى يؤكد صعوبة ذلك مع شخصية مثل شخصية الرئيس متناقضة تماما حيث يؤكد هو ومعه رجاله على انضباطه وهدوئه ونظامه بينما كانت طريقة إدارته للبلاد عشوائية أكثر من العشوائية نفسها وعصبية وانتقامية بدليل عدم هدوئه فى التعامل مع خصومه أو حتى الانتقام منهم، مما يعنى أنه من غير الممكن اكتشاف ما يحدث لخزينة الرئيس لو تم العبث بأشيائها والتلاعب فى محتوياتها.
خزينة الرئيس السابق مبارك ربما لا تكون بنفس أهمية خزينة عبد الناصر أو ربما لا توجد خزينة إذا اعتبرنا أن مبارك تعلم من سلفه السادات الذى نفت زوجته جيهان وجود خزينة خاصة بالرئيس فى البيت، ولكنها لم تنف وجودها فى المكتب، ولكنها قالت إن كل ما كان فيها كانت أشياء لا تذكر، وهو الشيء المتوقع لأن مبارك ينتمى لمدرسة السادات التى تحكم بمنطق عمدة القرية الذى يتلاءم على الدنيا بمنطق أنه الفاهم الوحيد ولا يثق فى أحد خارج دائرة أنفاسه.
كما أن عشوائية الرئيس فى إدارة شئون الوطن على مدار السنوات الماضية ربما تكون مؤشرا على أن قلوب الملهوفين من الشعب المصرى من أجل الاطلاع على الأسرار التى حرموا منها فى حياة الرئيس قد تنفطر حينما تنفتح أمامهم خزينة مبارك الخاصة ويجدونها خاوية على أرففها، لأنه من المؤكد أن مبارك استمر فى عناده بإدارته البلد على الموضة القديمة وفعل مثلما فعل أجدادنا الذين هو فى أعمارهم الآن، وكانوا يحتفظون بكل حسابات وأسرار تجارتهم المهمة فى عقولهم أو فى ذلك الكيس البلاستيك الذى كان يضم أوراقا متناثرة فى غاية الأهمية، ولكن طريقة احتفاظهم بها لا يمكنها أن تغرى أي متلصص بالنظر إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق