أخبار الجزيرة المصورة

25 فبراير 2011

وعود مبارك التى لم ينفذها طوال 30 عاما





مبارك وقسم الرئاسة أمام صوفي أبو طالب

إلغاء قانون الطوارئ وتحقيق العدالة ومعاقبة الفاسدين والاكتفاء بولايتين لأن الكفن ليس له جيوب
في الأيام الأولي لولايته، قبل نحو 30 عاما، التي ربما لا يتذكر ملامحها معظم الشباب الذين خرجوا ثائرين في 25 يناير الماضي، قال الرئيس السابق حسني مبارك نصا "لن أرشح نفسي أكثر من دورتين"، لكنه فعلها، واستمر في حكم البلاد 30 عاما، ربما يكون قد نسي خلالها كل ما قاله، فالتصريحات التي أطلقها في عام 1981 لم تعد لها قيمة، بعدما التف أغوته السلطة بالاستمرار، خاصة أن أحدا لم يكن قادرا علي مواجهته، فقد اكتشف مبارك بعد مرور أول دورتين رئاسيتين له، أن بإمكانه الاستمرار إلي ما لا نهاية.
 30 عاما كلام فى الهواء وووعود بلا تنفيذً
ربما يمكن للمصريين الآن أن يتنفسوا بحرية أكثر، بعد سنوات وسنوات من القمع الذي عانوا منه تحت وطأة قانون الطوارئ، الذي كان "ربما" أقل ضررا من الفساد الذي اجتاح البلاد، وتجذر فيها، ليصنع طبقة خاصة من "الإقطاعيين" الجدد، بدعم ورعاية نظام مبارك، وتحت إشراف نجله، أمين السياسات السابق في الحزب الوطني، وهي طبقة حاول مبارك ورجاله أن يصوروها لنا كأنها نبتت فجأة، وفي غيبة من الجميع، ففجأة، وبعد أسبوع واحد علي اشتعال ثورة 25 يناير، قرر النظام تقديم بعض من رموزه للتحقيق، في جرائم فساد ضخمة، وكان أبرزهم أحمد عز وأحمد المغربي ورشيد محمد رشيد، وزهير جرانة، وكأن فساد رجال الأعمال الوزراء نبت "شيطانيا"، وليس تحت أعين النظام.
لقد حاول النظام علي مدار الأيام القليلة الماضية، أن يقنعنا بأنه أصيب بصدمة من حجم الفساد في طول البلاد وعرضها.. وبالعودة إلي تصريحات الرئيس السابق في بداية عهده، والتي بدت أكثر من متفائلة، نكتشف أن كل وعوده للقضاء علي الفساد، كانت تستهدف تصفية رجال العهد السابق له، لبناء طبقة "اقتصادية" جديدة، تدين له بالولاء، فقد قال مبارك وقتها "لن أقبل الوساطة وسأعاقب لصوص المال العام"، وفي حوار مع مجلة المصور في 30 أكتوبر 1981، قال إن "مصر ليست ضيعة لحكامها"، وفي فبراير من العام التالي أدلي مبارك بتصريحه الشهير "الكفن مالوش جيوب"، وهو ما يفجر تساؤلا الآن عن حقيقة ما تردد بشأن ثرواته هو وعائلته، والتي قدرتها صحف بريطانية، بأنها تتراوح بين 40 و 70 مليار دولار، وهي ثروة لا يمكن التحقق منها فعليا الآن، بعكس ثروات كبار رجاله المقربين، الذين حصلوا في عهده علي ملايين الأفدنة، أشارت تقديرات إلي أنها تعادل مساحة 5 دول عربية مجتمعة، هي «فلسطين» والكويت وقطر ولبنان والبحرين.
وفيما بدا كما لو كان نبوءة منه، قال مبارك في حواره مع صحيفة مايو بتاريخ 18 أكتوبر 1981، "لا شيء يثير غضبي أكثر من محاولة البعض استغلال علاقة النسب أو القرب بمسئول للحصول علي ما لا حق له فيه"، فقد تحققت هذه النبوءة حرفيا، بمنح أشخاص يرتبطون بعلاقات نسب معه آلاف الأفدنة من أراضي الدولة، برخص التراب، ففي تصريحات لوزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي مؤخرا، حكي ما قال إنها واقعة حدثت في عهده، وهي أن ابن الرئيس السابق، لم يحدد إذا ما كان علاء أو جمال، جاء إليه طالبا منه تخصيص ألف فدان له، وبحسب ما قاله الكفراوي، فإنه شك في فهمه للطلب، فسأله إذا ما كان يقصد ألف متر، فأكد له ابن الرئيس أنه يقصد "ألف فدان"، وهو ما رفضه الكفراوي، وكان سببا في إقالته بعد فترة قصيرة، ليحصل نجل الرئيس علي ما يريد في عهد سلفه إبراهيم سليمان.
كانت الآمال تملأ قوي المعارضة في بداية الولاية الأولي لمبارك، أن يعالج الكثير من الأخطاء أو الخطايا السياسية والاقتصادية لسلفه الرئيس السادات، الذي لقي حتفه في حادث المنصة، بينما كان مبارك يجلس في المقعد المجاور له، لكن هذه الآمال تبخرت سريعا، رغم الوعود والتصريحات السحرية التي أطلقها الرئيس السابق منذ الأيام الأولي له في الحكم، فقد تعهد لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 20 أكتوبر 1981، بإلغاء حالة الطوارئ، وقال نصا "الكل سواء عندي أمام القانون، ونحن لا نريد قانون الطوارئ"، ورغم ذلك التصريح الذي لا يحتمل أي تأويل، طلت البلاد تحت حكم الطوارئ لمدة 30 عاما، ربما في انتظار رئيس جديد، لم يأت، هو جمال مبارك، الذي كان الرئيس السابق يعرف جيدا أنه سيكون في أشد الحاجة للطوارئ، حتي تنتقل إليه السلطة.
التصريحات القديمة لمبارك، تكشف الكثير من التحولات في شخصيته، إذا ما تم التعامل معها باعتبارها صادقة، فالرجل الذي أعلن أن أحدا لن يظلم في حكمه، شهد عهده أبرز جرائم التعذيب، التي لم تشهد البلاد مثلها، حتي في عهد "دولة المخابرات" في ستينيات القرن الماضي، التي ظل نظام مبارك وسلفه السادات يؤكد أنها كانت الأبشع، فتحت حكم "الطوارئ" دخل المعتقلات آلاف المواطنين، بعضهم دخلها قبل أن يتجاوز عمره 14 عاما، ليقضوا سنوات الطفولة الأخيرة، والشباب الأولي بعيدا عن العالم، وهي جريمة ربما تكون أشد خطرا من مبررات اعتقال هؤلاء الأطفال.
ربما تكون تحولات شخصية مبارك، التي بدت في تصريحاته القديمة والحديثة، قد برزت مع صعود نجم جمال مبارك، الذي دأب الرئيس السابق خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، علي تأكيد أنه لا يعمل في "البيزنس"، وأنه ليست له طموحات سياسية، وهي اللهجة التي تغيرت في بداية القرن الجديد، فقد أصبح جمال مبارك يساعد والده، حسبما قال الرئيس السابق في واحدة من مقابلاته الصحفية، وهو التصريح الذي أثار استفزاز المصريين، الذين اختزنوه في ذاكرتهم الجمعية، حتي جاء وقت الحساب في 25 يناير، ليؤكدوا للرئيس السابق أن مصر ليست "عزبة" أو "وسية" يساعد الابن "البار" اباه "المسن" في فلاحتها والإشراف عليها.
بالتأكيد كان صعود جمال مبارك لسطح العمل السياسي واحدا من مفسدات البلاد، فخلال سنوات صعوده، اختفي مستشارو الرئيس السابق من الساحة، ليصبح مبارك الابن هو المستشار الأوحد، فقد اختفي كل من مصطفي الفقي، مستشار الرئيس للمعلومات، وأسامة الباز المستشار السياسي، من الساحة السياسية فجأة، ليفسحا الطريق إلي جمال ورجاله، والغريب أن مبارك الذي وافق علي إقصاء أبرز مستشاريه، قال في حديث للتليفزيون المكسيكي بتاريخ 24 أكتوبر1981 "أنا أصغي إلي مستشاري، وأتقبل أي نقد، ولا أثور أو أغضب أبدا لأي نقد، لأنني إذا ما لم أستمع للنقد من المستشارين، فإني سأسمعه من مكان آخر".
لقد اختفي أسامة الباز تماما، قرابة 6 سنوات، ولم يظهر إلا مرات قليلة، كان بعضها في محطة مترو أنفاق التحرير، التي يعرف روادها الباز جيدا، وكانت البداية الحقيقية لأفول نجم المستشار السياسي للرئيس السابق، عندما أدلي بتصريحات في 5 نوفمبر2002، قال فيها إن "مبارك لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة القادمة"، وهو ما لم يحدث، فقد جاءت انتخابات 2005، بمفاجأة إصرار الرئيس علي ترشيح نفسه، فيما اعتبره محللون محاولة لتثبيت أقدام جمال مبارك، الذي كان يحتاج فسحة أكبر من الوقت لذلك، وربما يكون هذا القرار قد أدي لتأجيل الثورة لـ5 سنوات، لأن ترشيح جمال مبارك كان واحدة من القنابل التي أثارت فزع الجميع، داخليا وخارجيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معرض الصور

معرض الصور


من البداية